أشواق وأذواق

يا غائبا وحاضرا

بعثت هذه الرسالة الشعرية الى صديقي المخلص “عبد الله شريف بانه” أيام وجوده في بغداد.. ردا على رسالة وافتني منه ورد في بعض سطورها ما يلي ” لقد علمتني الحياة درسا بليغا ترك في نفسي أثره الملموس، لقد صفعتني الحياة لكي تعيدني الى الواقع بعيدا عن عالم القصص والروايات، حتى أنني كنت أتقمص شخصيات الروايات التي أقرأها.. بعيدا عن الأحلام العظيمة بعيدا عن الحيرة بين الإقدام والتراجع.. أنا الآن قد صحوت من نوم أهل الكهف.. عرفت ما هو الحب وأين يوجد؟ ما هي الصداقة وأين توجد؟ ما هي الحياة وأين توجد؟ لقد عرفت أن الحب ذات هي أسمى ما في الوجود ولكنها رفعت، فلم يبق منها سوى الاسم أو ذكرى تهب إليك كلما جاء الخريف وذهب الربيع، وعرفت أن الصداقة جوهر الحياة وما زالت موجودة أما الحياة فهي في أكف القدر.”

يا غائبا في ثنايا الأفق أبصره
وحاضرا في حنايا القلب أضمره
إليك أبعث أشواقي مضمّخة
تأتيك من خافق قد فاح عنبره
عبر النسيم تحايا القلب أرفعها
من بوح وجدى قليلٌ فيك أكثره
مالي سوى الوجد في نجواي أسكبه
ومن عبير أزاهيري أعطّرُه
………
وافى خطابك بعد اليأس ينعشني
وفيه أحرفك الظمأى تفسّره
حتى إذا ما فضضت الظرف أقرأه
أستنطق الحرف مغزاه ويستره
وجدت نفسي كمحمول على سفنٍ
من الهوى فوق موج الشوق تمخره
ويبعث القلب نبضا في تدفقه
تذيبه فتنة المعنى وتسحره
ومن فؤادي ما تمليه من قبس
كأنما أسعفتك اليوم أيحره
ففيه ما فيك من شجوٍ ومن شجنٍ
وما تعانيه من بلوى وتَخبره
صدّقتَ حلم أمانيٍّ يزخرفها
طيشُ الشباب ويُحليها تهوّره
غرقتَ في قصص من وحي كاتبها
تساق تحمل فكرا قد تبرّره
حتى تقمّصت ما قد كنتَ تقرؤه
فيها من الوهم ما خانتك أسطره
وقد بدا لك فيها باطلا بطلٌ
يهدي إلى الرشد فاستهواك منظره
وإذ تبعت خطاه كي تمثّله
أصابك الخبط فيما إن تفكره
إن الحياة كما قد قلتَ مدرسة
تعلم الغرّ.. والأعمى تُبصّره
قد تصفع الحالمَ الوسنانَ منتشيا
في قسوة عُرفت عنها.. تحرّره
وقد أخذتَ بليغ الدرس، كن فطنا
فأنت للدرس أوعاه وأجدره
أقدم ولا تتراجع لستَ من زبد
اذا تهبّ رياح ما تبعثره
هذي الحياة كما قد قلتَ مائجة
وقد تعلمتَ كيف اليوم تعبره
دعها بكف الإله الحق يصرفها
كما يشاء.. وما فيها يكبره
………
عن الصداقة ما قد قلت صدّقه
قلبي وما بيننا دوما سيزهره
لكنما الحب لم تعرف شواطئه
فاستفتني عن مداه، قد أقرره
فان تجربتي في الحب مَعلمة
تضىء درب الهوى بالنور تنشره
قد قلتَ ما قلتَ لكن لا أصدقه
ألست تشهد ما بي أم ستنكره؟
لم تنكر الحب لكن قلتَ: قد رفعت
علائم الحب أو قد ديس جوهره
وفي فؤادي أسمى ما تضمنه
قلب المتيم من حب وأطهره
إذا الربيع أتاه ينتشى جذِلا
أو الخريف فإن العشق يعمره
ففي تفتّح وردٍ في الربيع جوًى
يبين في الورد ما في القلب أضمره
وفي تساقط أوراق الخريف هوًى
تبلى السنون ولا يبلى تذكره
حبّ يجدّ على كرّ الزمان به
يجالد الدهر إذ تغشاه أعصره
والحب أسمى أحاسيس الورى أبدا
وفي الوجود بقايا سوف تغمره
فابحث عن الحب في بغداد رُبّتما
إذا تلفتّ أن يَسبيك جؤذره
وابحث عن الحب، صافي الحب إن تره
فالحب أفضل مما أنت تذخره
واحذر من الغيد لا ترديك خائنة
تُهديك من غمز عينيها وتُكثره
وبسمة الثغر تبدو من بشاشتها
والليث بالناب قد يَخفى تكشره
هي الأفاعي وإن لانت ملامسها
والسم في الفتك قد يرديك أحقره
فربما” غادةٌ” تأتي تلوّث ما
في العشق من حُلمٍ زاهٍ تكدّره
أما العبير فان تنشقه سوف ترى
بأن أيسر ما في الحسب أعسره
وأن أعتى عذاب الحب أعذبه
وأن أبلد من في الحب أمهره
أما أنا ” فعبير” الحب أسكرني
ولا يزال وقلبي فيه” كوثره”
………
وفي الختام تحياتي مرفوفةٌ
إليك كالطير تطوى الجو تنشره
وفي انتظارك يا حبي ويا أملي
بالورد دربك والريحان أنثره
مقديشو ١٩٨٩م

نُشرت بواسطة محمد الأمين محمد الهادي

محمد الأمين محمد الهادي شاعر وصحفي وسياسي صومالي، من مواليد 23 مايو 1967م في مدينة براوة الساحلية الواقعة جنوب الصومال. عمل في وزارة الإعلام الصومالية ما بين يناير 1985 إلى ديسمبر 1990م مذيعا للنشرات العربية في إذاعة مقديشو وقناة التلفزيون الرسمية، وكاتبا في جريدة نجمة أكتوبر، وأصبح نائب رئيس القسم العربي في الإذاعة. بدأ كتابة الشعر في سن مبكرة من طفولته، وكتب في الغزل وفي الوطنيات وفي كل المواضيع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.